بين خديجة الكبرى و ليسيه المقاصد: طمسُ هويٍّةٍ ونكرانُ تاريخٍ./نادين خزعل/خاص شبكة ZNN الإخباريّة.
دخلتُ إلى ثانويّة خديجة الكبرى “ع” التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية وأنا ابنة 4 سنوات وغادرتها وأنا في سنّ 18 عامًا: من صفّ الروضة الأولى حتى صف الثالث الثانويّ؛ هذه هي حكايتي التي امتدت 14 عامًا…
السّاعة السّابعة والثلث بتوقيت صباحِ العلم والتربية كان يُقرع الجرس، نقفُ في طوابير الإصطفاف، مرتدين الزيّ المدرسي، البداية كل يوم كانت بتلاوة آيٍ من الذكر الحكيم كان يقع الدور عليّ ثلاثة أيام في الأسبوع لأرتله، ومن ثم دعاء الصباح، ومن بعده نشيد المقاصد:
“عهدنا بالمقاصد
في ظلال المعاهد
طاب ناديك منزلا
ومباديك منهلا
دمت للحق والعلا
خير قائد…”…
نشيدٌ مترسخٌ في ذاكرة المقاصديين وفي وجدان طلاب “خديجة” مدرستي..
مدرستي “خديجة الكبرى” فيها عبقُ كل الأشياء: الطفولة والدراسة والتفوق والحبّ الأوّل ومباريات الخطابة ومباريات العلوم ومباريات كرة السلة…
مدرستي “خديجة الكبرى” فيها ترعرتُ وتشكلتُ وصُقِلْتُ وتعلمتُ ونهلتُ من المعرفة وتثقفتٌ علميًّا وإنسانيًّا وضميريًّا…
مدرستي “خديجة الكبرى” فيها صديقتي رانيا التي جرت صداقتها في أوردتي مجرى الدّماء، وتشهد جدران “خديجة” على دموعنا وقهقهاتنا وأحلامنا وتعاهدنا….
مدرستي “خديجة الكبرى” فيها ذلك النسيج اللبناني الإجتماعي المنسجم مع التنوع وتقبل الآخر ومعنى الشراكة الحقيقيّة على امتداد الوطن والتاريخ والجغرافيا….
مدرستي “خديجة الكبرى” التي تميزت بكادر تعليميّ قلّ نظيره، كانت منبعًا للضوء الثقافيّ في بيروت فما هو تاريخ المقاصد؟
تأسست جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت عام 1878م وسعت لإنشاء مجتمع مقاصدي متميز مبني على القيم السامية فخور بانتمائه الوطني، والمقاصد تعمل وفق مبادئ الدين الإسلامي في سبيل تنمية قدرات المجتمع ورفده بالمتعلمين.
ِسِجِلّ خريجي المقاصد حافل بأسماء رؤساء حكومات ووزراء ونواب وصحافيين وعلماء وباحثين وأطباء ومهندسين وضباط وصيادلة وأساتذة جامعيين وأدباء ومعلمين وغيرهم… وخلال مسيرتها، باتت جمعية المقاصد تعبّر عن روح بيروت العاصمة بتنوّعها وانفتاحها وتوازن خطابها السياسي واعتدالها المنهجي. وعليه، فإنّ مدارس المقاصد تربوياً أقرب ما تكون إلى الميثاقية والدستورية بالمعنى الإيجابي، باعتبارها توافقية لا تغرس في تلاميذها روح التعصب والانغلاق مثلما فعلت بعض المدارس التابعة لجمعيات محدثة وممولة من الخارج.
فما الذي حدث ؟
فوجئ المقاصديون وأساتذة وطلاب وخريجو ثانوية خديجة الكبرى برفع لافتة غيرت إسم الثانوية وجعلته
” ليسيه المقاصد” ! تغيير الإسم أصابني وأصاب الآلاف مثلي في الصميم، فالإسم هو الهوية وتغيير الإسم هو طمس للهوية ونكران للتاريخ….
خطوة تغيير الاسم استدعت ردودًا شعبية شاجبة فقام شبان غاضبون باقتحام مبنى المدرسة يوم أمس وشطب الاسم الجديد واعادة وضع الاسم القديم كما انطلقت حملات منددة بهذا الفعل وسط مناشدات وجهها الأهالي عبر مواقع التواصل الإجتماعي للعودة عن هذا القرار.
فهل سيتم التراجع وهل كان تغيير الاسم شرطًا فرضه انضمام الثانوية إلى شبكة المدارس المدعومة من السفارة الفرنسيّة؟ وهل سنشهد تحولًا تربويّا في هذا الصرح؟
وليتذكر المعنيون ما حدث مطلع العام 2018-2019 حين أشيع خبر صدور قرار بإقفال ثانوية خديجة الكبرى لأسباب مالية وكيف تداعى حينها المئات من المقاصديين وأهالي بيروت في تظاهرات استنكارية وكيف انبرى الجميع للتصدي للإقفال ورفضه واستُكملت المسيرة…..
ثانوية خديجة الكبرى هي ثانوية خديجة الكبرى……وليس مقبولًا تغيير اسمها ليصبح
“ليسيه المقاصد” مهما كانت الأسباب ومهما كانت المسببات! بإسمي كخريجة من هذه الثانوية وبإسمي كلّ المقاصديين وبإسمي كل الغيورين على هذا الصرح التربوي وبإسم العشرات الذين تواصلوا معي شجبًا للقرار وطلبًا لإيصال صوت رفضهم، أتوجه إلى رئيس جمعية المقاصد الخيرية فيصل سنو وأطالبه بإعادة إسم “خديجة الكبرى”.