مجرد رأي

رسالة الى وطن ….. مهاجر \ د. مهى شومان جباعي

رسالة الى وطن ….. مهاجر \ د. مهى شومان جباعي

واستوقفك في محطة الوجع
وطن…وليل
وحقيبة سفر …
رجوتك أن لا تهاجر…
استدرت….ابتسمت
وبعينين دامعتين
غادرت في عباءة الليل
وتركتني في حيرة اللحظة
في دوامة التساؤل:
“كيف يمكن لوطن أن يهاجر”؟!!!!!!!!
*
اليوم أدركت
أنه كان لا بد لك من أن تغيب
كان لا بد لك من أن تغادر…
كي لا تشهد مرحلة لا تليق بك
نعم …كي لا نراك بملامح لا نعرفها
هجرتنا جميلا…لتبقى جميلا…
كما نعرفك …كما نحبك
أما ما بقي لدينا خلفك
فصورة مشوهة في مرآة مكسورة ….نقف جميعا قبالتها
مساحة وجع …
حضور بلا حاضر
وغد يهيم في غياهب الظلمات
زمن مثقل بالانكسارات
رغيفه مرّ…
قوتُهُ مصادر
دواؤُه محجوب
والأمهات فيه تستجدي الحليب للرضع
مستشفياته تئن من الوجع
وأطباؤه أغوتهم دول العالم بالكرامة…. فغادروا
أبناؤه يتسولون الوقود…
وأبسط مقومات العيش ..
وحفنة مساعدات مشروطة بالذل والارتهان
**
هاجرت كي لا تجمع أشلاء أولادك
من تحت ردم ميناء بيروت
كي لا ترى عوامات الذل تغادر بالأطفال
تحملها أمواج الموت ورياح المجهول
الى قاع المحيطات أو عوالم الشتات
كي لا ترانا ونحن من قهرنا المحتل
نتدافع لشراء ربطة خبز أو سلعة “مدعومة”
نقف في طوابير الذل
نستجدي لصوص العمر
لاسترجاع حفنة من أوراق نقدية
سُلبت منا ظلمًا وقهرًا
غادرت كي لا تشهد على وثنيتنا
نعبد أصنامًا .. ويا ليتها من حجر…
لأمنا شرورها….
كان لا بد لك من أن تهاجر
كي لا ترانا على ما نحن عليه
وما نحن عليه بات مخجلاً…. أيها الوطن
**
اليوم أيقنت …أنه كان لا بد لك من أن تسافر
حاملاً في حقيبتك
صورنا الجميلة…كي لا نبعثرها
أمجاد تاريخنا ….كي لا نزوره
ذاكرة بحرنا وحكايا شوارعنا
وتماهي الفن والإبداع فينا …
غادرت وفي حقيبتك
“إسوارة العروس” لفيروز تخطوعلى “طريق النحل”
ومناجاة عاشق وديع في “الليل يا ليلى”
وفراشات زكي “تنتقي أحلى زهرة” لما “طلوا حبابنا”
أهازيج مارسيل والبحرية بال”هيلا يا واسع “
ورؤيا شوشو لنا “شحادين في بلدنا”
وكتابات أسقطها جبران …سهواً
لوطن يلبس مما لا ينسج
فكانت للدول فلسفة وفكر نهج وحياة
*
الآن أدركنا أنه كان لا بد لك من أن تهاجر جميلاً
كي لا تحمل لوث أحقادنا …
كي ندرك أن الأوطان لباس…بعد أن تعرينا
وأن الوطن كرامة ووجود …بعد أن أضعنا انتماءنا
كي نتيقن أن دول العالم،
ولو منحتنا جوازات سفر،
لن تكون أوطانا لنا …لأننا ما جبلنا من ترابها
قررت أن تهاجر لنبحث عنك…
في ضمائرنا
ونستحضرك وطنا معززّا
في وجداننا
قررت يا وطني أن تهاجر….ربما فينا
كي نقرأك من جديد
كي نتعرف إليك
ونحج إليك من جديد
كي نعتذر منك،
علك…علك يا وطني تصفح عنا….فتعود….

إنضمّ الى خدمة الخبر العاجل ‘ZNN’ عبرالواتساب الان 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى