قصة وعبرة

رحلة البحث عن ربطة خبز دون ملح في النبطية \ د.طارق شمس

رحلة البحث عن ربطة خبز دون ملح في النبطية \ د.طارق شمس

قصة اليوم
• اليوم صباحاً ركبت في السيارة مع أحد الأصدقاء للبحث عن ربطة خبز من دون ملح ..
• كنت في الصباح الباكر وأثناء جولتي الرياضية من أمام السراي الى خلف البيدر المقدس .. قد وصلت الى سوق البلدية.. لعلني أحصل على ربطة خبز..
• عجقة ناس لبنانية وسوريين كلهم هجموا على الخبز – والموزع كان لا يزل ينزل الربطات ليضعها على الواجهة – فلا تلبث الا قليلاً … الايدي سرعان ما تطالها ربطتان ثلاثة ولو قدر لكل منهم ان يضع يده على الربطات المئة لما تردد..
• لم أتجرأ على الدخول – أدوخ في العجقة ؟ لا أبداً فقد تعودت على العجقة منذ طفولتي : أمام الافران وتوزيع الاعاشة ..لكنني اليوم لم أعد أتحمل هذا المنظر .. يذكرني بالذل الذي عشته طيلة حياتي… ذل من العدو وذل من الصديق…
• ناداني المسؤول في الداخل – وهو صديق ان ادخل وخذ ربطة – قلت له بلاها ..لم أعد أرغب حتى في الاكل ..كرهت الخبز كما أكره هؤلاء الجوعى..
• بعد ساعتين قررت التوجه الى المصرف كي أحول بعض المال من حسابي الجاري الى الصندوق الخارجي كي أسحب البعض منه لشراء حاجيات أساسية..
• من بعيد رأيتُ صفاً طويلاً أمام باب المصرف المقفل بوابة من الحديد.. والبعض يرطم هذه البوابة بقدمه بطريقة وبصوت لفت أنظار كل المارة .. لم أعد أرغب بسحب المال سأفعل كما فعل المسلمون الأوائل عندما حوصروا في شعاب مكة وربطوا الحجر على بطونهم …
• ومع عودتي مرّ صديقي بسيارته وقال : شو وين رايح ؟ قلت : أبحث عن ربطة خبز بلا ملح..قال : أصعد نبحث سوياً..
• المسكين كان يقصد نفس المصرف لكنه عندما شاهد هذه العجقة فكرّ مثلي : هذا لا يناسبنا أن نذل أنفسنا بهذا الشكل..
• تحدثنا عن المجتع – السقوط – الهزيمة – التفكك – لماذا نحن متخلفون !!!
• ووصلنا الى محطة بنزين – عجقة طويلة ..قال : معليش لازم عبي ما عاد معي بنزين ..
• ووقفنا في طابور واذا بفان أزرق يدخل بين السيارات المتوقفة ويتقدم الجميع ويسرق دوراً له… من كل السيارات المتوقفة.. يخرج من الفان رجل من فوق يرتدي بروتيل ومن تحت بنطلون عليه لطخات من زيت وبويا قديم قدم حمورابي ..اما حذاؤه فمرتفع من الامام وأشبه ما يكون بزورق …
• وتلاسن مع العامل في المحطة – العامل بيعبي ب 500 الف فقط – وهو يريد أكثر – 10 دقائق ملاسنة تدخل بعدها أحدهم وانتهت المشادة وعبى ب 500 الف .. ثم قاد الفان بعكس السير على الاوتستراد … كان يضع على واجهة الفان الزجاجية كتاب القرآن الكريم ..
• عبينا وكملنا نحو الفرن وجدتُ الخبز بلا ملح، كنت سآخذ ربطة واحدة فقال لي صاحبي خذ أكثر الأزمة مطولة …
• لم نجد في الفرن خبز كماج تم مسحهم منذ الصباح – فقط خبز الشوفان والشعير – كم صرتُ أحب الشعير في هذا الزمن …يذكرني بكائن أصبحتُ أشبهه..
• سألتُ صاحبي : لماذا الكماج طار بسرعة مع انه غير صحي والخبز الصحي وبلا ملح تبقى ؟
• قال لي صاحبي: الكماج بنظر الناس هو الخبز وهو الصحي وهو الطعام كله …
• تناقشنا بعدها بتاريخ الذهنيات والهزيمة والتفكك والانحطاط ..فقال لي عليك أن تعلم منذ الان فصاعداً تاريخ الدهنيات وليس تاريخ الذهنيات..
• وعدتُ الى منزلي القديم الذي يتفتت حيثُ بقايا القذيفة الإسرائيلية والرصاص الطائش وصورة الشهيد على حائطه القديم …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى